فصل: الأول: الجهاد بالنفس والمال واللسان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.3- أقسام الجهاد في سبيل الله:

.أقسام الجهاد في سبيل الله:

ينقسم الجهاد في سبيل الله إلى قسمين:

.الأول: الجهاد بالنفس والمال واللسان:

وهو جهاد الدعوة إلى الله بين الناس، حتى يكون الدين كله لله.
وهذا أعظم أنواع الجهاد، وأعظم من قام به الأنبياء والرسل، وهو جهاد حسن لذاته، وهو مقصد بعثة الأنبياء والرسل، وبسببه يؤمن الناس، ويعبدون ربهم وحده لا شريك له.
1- قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [51] فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [52]} [الفرقان: 51- 52].
2- وقال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [78]} [الحج: 78].

.الثاني: القتال في سبيل الله:

وهو بذل النفس والمال من أجل إعلاء كلمة الله، حتى لا تكون فتنة, ويكون الدين كله لله.
ولم يُفرض هذا الجهاد على جميع الأنبياء، وإنما فُرض على بعضهم كداود وسليمان وموسى عليهم الصلاة والسلام.
وأفضل من جاهد هذا الجهاد سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهو المقصود هنا.
وهذا الجهاد حسن لغيره؛ لأنه يفتح أبواب الدعوة، والدعوة تفتح أبواب الهداية، وكلاهما يفتح أبواب الجنة.
1- قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [193]} [البقرة: 193].
2- قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [190]} [البقرة: 190].

.أحوال الجهاد في سبيل الله:

للجهاد في سبيل الله أربع حالات:

.1- جهاد النفس:

وهو جهاد النفس على تعلم الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه.
قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ [1] إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [2] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [3]} [العصر: 1- 3].

.2- جهاد الشيطان:

وهو جهاد الشيطان على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشهوات.
قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [6]} [فاطر: 6].

.3- جهاد أصحاب الظلم والبدع والمنكرات:

ويكون باليد إذا قدر، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب، ويكون بالحكمة حسب الحال والمصلحة حتى لا تحصل فتنة.
1- قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [125]} [النحل: 125].
2- وَعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ». أخرجه مسلم.

.4- جهاد الكفار والمنافقين:

ويكون بالقلب واللسان والنفس والمال، وهو المقصود هنا.
1- قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [15]} [الحجرات: 15].
2- وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [9]} [التحريم: 9].

.أنواع الجهاد في سبيل الله:

.1- جهاد ضد الكفار والمشركين:

وهو أمر لازم لحفظ المسلمين من شرهم، ولازم لنشر الإسلام بينهم، ويخيرون فيه على الترتيب بين الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال.
1- قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [29]} [التوبة: 29].
2- وعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ الله في سَبيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً. وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أوْ خِلالٍ، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ». أخرجه مسلم.

.2- جهاد ضد المرتدين عن الإسلام:

ويخيرون على الترتيب بين العودة إلى الإسلام، أو القتال.
عَنْ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». أخرجه البخاري.

.3- جهاد ضد البغاة:

وهم الذين يخرجون على إمام المسلمين، ويثيرون الفتنة، فإن رجعوا وإلا قاتلهم، لتخمد فتنتهم.
قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [9]} [الحُجُرات: 9].

.4- جهاد ضد قطاع الطريق:

وهم المفسدون في الأرض.
وعقوبتهم حسب جريمتهم بما يراه الإمام من قَتْل، أو صلب، أو قَطْع أيديهم وأرجلهم من خِلاف، أو نفيهم من الأرض كما سبق.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [33] إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [34]} [المائدة: 33- 34].

.4- أحكام الجهاد في سبيل الله:

.الجهاد أفضل أنواع التطوع:

الجهاد في سبيل الله أفضل أنواع التطوع، فهو أفضل من تطوع الحج والعمرة، ومن تطوع الصلاة والصيام؛ لما فيه من إعلاء كلمة الله، وحفظ الإسلام والمسلمين، وقمع المعتدين، وإزالة الفتن.
وهو من أفضل العبادات؛ لِمَا فيه من رفعة الدرجات، ولِمَا فيه من الزهد في الدنيا، وهجر الرغبات، ومفارقة الأهل والدار، والتضحية بالنفس والمال.
1- قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [95] دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [96]} [النساء: 95- 96].
2- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنّ رَجُلاً أَتَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيّ النّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ» قَالَ: ثُمّ مَنْ؟ قَالَ: «مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعَابِ، يَعْبُد الله رَبّهُ، وَيَدَعُ النّاسَ مِنْ شَرّهِ». متفق عليه.
3- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنّبِيّ صلى الله عليه وسلم: مَا يَعْدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ الله عَزّ وَجَلّ؟ قَالَ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ» قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً، كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ»، وَقَالَ فِي الثّالِثَةِ: «مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ الصّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ الله، لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ، حَتّى يَرْجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله تَعَالَىَ». متفق عليه.

.حكم الدعوة قبل القتال:

تجب الدعوة إلى الإسلام قبل القتال لمن لم تبلغهم الدعوة، فإن انتشر الإسلام، وعرفه الناس، فالدعوة مستحبة؛ تأكيداً للإعلام والإنذار، وليست بواجبة.
ولا يجوز قتال الكفار إلا بشرطين:
1- إبلاغهم الدعوة إلى الإسلام إذا كانت لم تبلغهم.
2- أن يكونوا حربيين غير مستأمنين، ولا معاهدين، ولا أهل ذمة؛ لأن دماء هؤلاء مصونة معصومة.
فإذا توفر هذان الشرطان جاز قتالهم من دون إنذار سابق.
1- عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا أمَّرَ أمِيراً عَلَى جَيْشٍ أو سَرِّيَةٍ أوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقَوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْراً، ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا باسْمِ الله في سَبيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً، وإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى ثَلاثِ خِصَالٍ (أوْ خِلالٍ)، فَأيَّتُهُنَّ مَا أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ، فإنْ أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلّى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرينَ، وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهُمْ مَا عَلَى المُهَاجِرين، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرَابِ المُسْلِمينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذي يَجْرِي عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ في الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيءٌ، إلَّا أنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَسَلْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فَاسْتَعِنْ بِالله وَقَاتِلْهُمْ». أخرجه مسلم.
2- وَعَنْ ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أغَارَ عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ. متفق عليه.

.حكم القتال قبل الدعوة:

لا يجوز قتال من لم تبلغهم الدعوة إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام، فإن أبوا يطالَبون بدفع الجزية، فإن أبوا جاز قتالهم، ويجوز قتال من بلغتهم الدعوة بدون سابق إنذار، فإن مقصد الجهاد في الإسلام إزالة الكفر والشرك، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونشر العدل، ورفع الظلم، وإزالة الفتن، وإزاحة من يقوم في وجه من يبلغ الإسلام وينشره.
فإذا حصلت هذه المقاصد العظيمة بدون قتال لم يُحتج إلى القتال.
فالله خلق بني آدم لعبادته، فلا يجوز قتل أحد منهم إلا من آذى وعاند وأصر على الكفر، أو ارتد، أو ظلم الناس، أو منع الناس من الدخول في الإسلام، أو منع الدعاة من الدعوة إلى الله.
وما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم إلى الإسلام.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا قَاتَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَوْماً قَطُّ إِلاَّ دَعَاهُمْ. أخرجه أحمد والدارمي.

.حكم حفظ حدود البلاد:

يجب على إمام المسلمين حفظ حدود بلاد المسلمين من الكفار، إما بعهد وأمان، وإما بسلاح ورجال، حسب ما تقتضيه المصلحة والحال.
قال الله تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [102]} [النساء: 102].

.فضل الرباط في سبيل الله:

توجد على حدود بلاد الإسلام منافذ قد يتسلل منها العدو إلى داخل البلاد.
وقد رغَّب الإسلام في حفظ هذه الثغور بإعداد الجنود الذين يحرسون هذه الثغور، ويرابطون فيها، وأفضل الرباط ما كان بأشد الثغور خوفاً، وأعظمها منفعة.
1- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [200]} [آل عمران: 200].
2- وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ الله خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ الله، أوِ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». متفق عليه.
3- وَعَنْ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَىَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الفَتّانَ». أخرجه مسلم.

.حكم قصد المشقة في العمل:

السنة للمسلم أن يقصد العمل الذي يَعْظُم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل كالجهاد والحج مثلاً.
فإنْ قَصَد نفس المشقة فقد خالف الشرع؛ لأن الله لا يقصد بالتكليف نفس المشقة.
ولا يجوز التقرب إلى الله بالمشاق؛ لأن القُرَب كلها تعظيم للرب سبحانه، وليس عين المشاق تعظيماً ولا توقيراً.
والأجر على قدر منفعة العمل، لا على قدر المشقة والتعب.
وكثرة الثواب مع المشقة لا لأن المشقة مقصودة لذاتها، بل لأن العمل مستلزم للمشقة.
1- قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [78]} [الحج: 78].
2- وَعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: يَا رَسُولَ الله، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: «انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أوْ نَصَبِكِ». متفق عليه.

.حكم من حبسه العذر عن الغزو:

عَنْ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقالَ: «إِنَّ أقْوَاماً بِالمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلا وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ». أخرجه البخاري.

.وقت الخروج للجهاد في سبيل الله:

السنة أن يخرج الإمام بالجيش يوم الخميس، فإن كانت مصلحة أو حاجة أو عذر خرج بهم بحسبها في أي يوم.
عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ. متفق عليه.

.حكم توديع المجاهدين في سبيل الله:

من السنة توديع المسافرين والمجاهدين في سبيل الله.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: بَعَثَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي بَعْثٍ، وَقال لنا: «إِنْ لَقِيتُمْ فُلاناً وَفُلاناً-لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا- فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ». قالَ: ثُمَّ أتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ. فَقالَ:
«إِنِّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تُحَرِّقُوا فُلاناً وَفُلاناً بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلاّ اللهُ، فَإِنْ أخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا». أخرجه البخاري.

.5- أحوال المجاهدين في سبيل الله:

.أحوال المجاهدين في سبيل الله:

المجاهد في سبيل الله له ثلاث حالات:
1- المسلم القادر مالياً وبدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه وماله.
2- القادر بدنياً، العاجز مالياً، فهذا يجب عليه الجهاد بنفسه فقط.
3- القادر مالياً، العاجز بدنياً، فهذا يجب عليه الجهاد بماله دون نفسه.
4- العاجز بدنياً ومالياً، فهذا لا يجب عليه الجهاد، فعليه بالدعاء للمسلمين المجاهدين.
1- قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [193]} [البقرة: 193].
2- وقال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [91]} [التوبة: 91].
3- وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ». أخرجه أبو داود والنسائي.

.درجات المجاهدين في سبيل الله:

1- قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [95] دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [96]} [النساء: 95- 96].
2- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ آمَنَ بِالله وَبِرَسُولِهِ، وَأقَامَ الصَّلاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقّاً عَلَى الله أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله، أوْ جَلَسَ فِي أرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا». فَقالوا: يَا رَسُولَ الله، أفَلا نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أعَدَّهَا اللهُ لِلمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْض، فَإِذَا سَألْتُمُ اللهَ فَاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأعْلَى الجَنَّةِ-أُرَاهُ- فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أنْهَارُ الجَنَّةِ». أخرجه البخاري.
3- وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلانِي دَاراً هِيَ أحْسَنُ وَأفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ». متفق عليه.